جراحة القلب أطفال فى موريتانيا :المخاض العسير
سيدتي الرئيسة،
و أنتم تشرفون على النسخة الثانية من حملة جراحة و قسطرة أطفال ٢٠٢٣، بالتعاون مع منتدى نبضات الاماراتي ، يطيب لي كأول جراح قلب، موريتاني ، مدني مقيم ، يفترش أرض الوطن منذ ٢٠١٢ ، و واكب النشأة ، نشأة جراحة القلب كبار …..و واكب كل الحملات منذ ٢٠٠٧……يطيب لي و بكل شرف أن أرفع لكم هذه الرسالة الحالمة و النازفة بالاحباط فى آن واحد ……..
حالمة لان الأمل فى رؤية جراحة القلب أطفال فى بلدنا لا يزال حُلُما رغم توفر كل أسباب النجاح، و التي تشكل عوامل قوة لتحقيق الحلم( فريق جراحي جاهز بامكانه تشكيل النواة الحقيقية ، مع فريق طبي من مختلف المتدخلين، دعم رسمي……..)
ثُم ان إشرافكم المباشر -السيدة الرئيسة -يشكل بلا شكً نافذة أمل جديدة لنا كممارسين و لنظرات الاطفال الحالمة بالعلاج .
رسالة أيضا تحمل الكثير من الاحباط ، إحباط ممارسين ميدانيين ، بذلو الغالي و النفيس فى التكوين و الاغتراب ، و عادو لخدمة أطفال هذا البلد كما عادو ذات يوم ……نعم أطباء و جراحين بامكانهم إحداث النُقلة المنتظرة…….إحباط أيضا أمام الامكانيات الكبيرة الضائعة، و التى لو وجهت فى إطار برنامج واضح المعالم لأعطت النتائج ……..إحباط أمام نظرات الاطفال الحالمين بالعلاج الجراحي السريع (لائحة انتظار ٢٠٠ طفل ) ضائعين بين قلوب معتلة و أوضاع معيشية صعبة !
السيدة الرئيسة ،
إن ما تحقق خلال السنوات الأخيرة (منذ ٢٠١٥) من تطور كبير على مستوى مركز القلب ، فى مجال التكفل الجراحي بأمراض القلب الكبار – ما كان ليتحقق لولا مواكبة السلطات الرسمية و جهود الطاقم الجراحي الوطني -إلا أن جهدا مضاعفا يجب بذله لمرتنة جراحة القلب أطفال .
السيدة الرئيسة،
إن التحليل المتبصر لحصيلة المقاربة المتبعة لهذا الموضوع و منذ اكثر من عقدين من الزمن تقود الى مجموعة من الملاحظات المستندة لتجربة ميدانية و دولية:
١-كل الدراسات أثبتت بما لايدع مجال للشك نجاعة البرامج الوطنية مقارنة بالبعثات الزائرة ، رغم ما تقدمه الاخيرة من حل آني محصور فى العدد و الزمن .
٢-ضرورة التركيز فى الحملات خاصة الكبيرة ، على الجانب التكويني(علمني كيف اصطاد سمكة أحسن من تعطيني كل مرة سمكة).
٣-تعدد الشركاء الاجانب و من مدارس مختلفة، و ان كان يساهم فى الحلول الآنية ، الا أنه يعيق عملية انتقال الخبرات و تشكيل الفريق المحلي، لما يخلقه من بلبلة لدى اعضاء الفريق المحلي(الفريق الجراحي) ، ضف الى ذالك معضلة اللغة .
٤-تجارب الدول المجاورة، و التى تقاسمنا نفس الظروف و نفس اللغة العلمية (و التى نجحت فى تشكيل فرق محلية ناجحة )تدفعنا دون تردد ، لتعزيز برنامجنا الوطني ، بتوأمات تعليمية مع هذه الفرق مع أهداف واضحة فى الوقت و المكان .
٥-أي برنامج وطني للتكفل بامراض القلب اطفال ، لا يشْرِك كل المتدخلين (اطباء قلب، اطباء اطفال ، جراحين قلب اطفال، اطباء انعاش و تخدير ، اطباء نسائية، كوادر تمريض………) لا يمكن ان يكتب له النجاح ،
٦-المقاربات التى تعتمد على إقصاء الكفاءات ( مقيمة كانت ام مهاجرة ) ، و على وضع المتاريس أمام جهود المؤمنين بالمشروع ، و النزوع الى القوالب الجاهزة و الجامدة ، كلها أسباب وجيهة لتعثر الأمل المنشود .
٧-الخروج بالمشروع (جراحة قلب أطفال ) لفضاءات إستشفائية أوسع، بعيدآ عن الاستقطاب التخصصي المتبع الآن (المركز الوطني لامراض القلب ) مثل مستشفيات الأم و الطفل ، و التى تعتبر اليوم (فى العالم) الحاضنة الطبيعية لاحتضان مثل هذه البرامج، لأن الطفل كل لا يتجزء حتى ولو كان البرنامج يروم الجزئية المتعلقة بتشوهات القلب .
-الحاجة الماسة و السريعة (كما طلبتُ ذالك مرارآ و تكرارا ) و منذ سنوات بانشاء برنامج وطني للتكفل بتشوهات و امراض القلب أطفال ، تتشرفون برعايته ، وتحتضنه و تواكبه الوزارةً الوصية ، لوضع استراتيجية محكمة تشتغل على محاور ثلاثة:الكشف المبكر و التشخيص، التكفل العلاجي (الجراحي و التداخلي ) و الوقاية الاستباقية.
هذا البرنامج ينسق الجهود المبذولة من طرف كل الفرق الميدانية و بشكل يضع أهداف واضحة على المدى القريب و المتوسط .
السيدة الرئيسة ،
أتمنى ان تصلكم رسالتي هذه -السيدة الرئيسة -و ان تسْلمَ من أيادي العابثين بكل ماهو جميل فى الوطن ، مخافة وءدِها قبل ان تصلكم فى سياقها الطبيعي ، الحريص فقط على اسْماعكم الصوت المُغَيبْ فى هذا الموضوع .
و قناعتنا لا تتعزز فى حرصكم -السيدة الرئيسة-على مواكبة و إنجاح هذه الجهود و إنصاف كل القادرين على إنجاح هذا المشروع .
قال تعالى :
“وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ”.
بقلم: الدكتور حيمده مادي / إختصاصي جراحة القلب اطفال