المهندس: الهيبة سيد الخير
الثعبان أو الأفعى أو الحية هو حيوان زاحف من ذوات الدم البارد يتبع رتيبة Serpentes من رتبة الحرشفيات، مغطى بحراشف، يبلغ تنوع الافاعي 3000 نوع، تنتشر في جميع القارات، باستثناء قارة أنتاركتيكا وهي تتواجد بمختلف الأطوال من 10 سم للثعابين الصغيرة إلى عدة أمتار لثعابين الكبية، معظم أنواع الثعابين غير سامة، أما الأنواع السامة، فتستخدم السمية بشكل أساسي لقتل الفريسة أو إخضاعها أو للدفاع عن نفسها، لكن للسم دورا آخر لا يقل أهمية، حيث انه يساعد في تهتك أنسجة الفريسة مما يسهل عملية ابتلاعها.
تنوع الثعابين في موريتانيا
بالرغم من عدم وجود دراسة شاملة لتنوع الأفاعي في بلادنا، فإن لائحة أولية كنت قد أعددتها تشير إلى وجود حوالي 30 نوعا، تنتمي لخمس عائلات ويبلغ عدد الأفاعي السامة تسعة، ستة منها تتبع لعائلة الأفاعي وثلاثة أنواع تتبع لعائلة الصلال.
عائلة الصلال: Elapidae
تضم ثلاثة أنواع من الكوبرا ذائعة الصيت، كالكوبرا ذات العنق الأسود (لفليج ) Naja nigricollis وتتميز بالعصابة السوداء الواحدة أو العصابتين على عنقها، ويمكن أن يبلغ طولها من متر إلى مترين، وسمها من السموم الخطرة المؤثرة على الجهاز العصبي وهذا من شأنه أن يسبب شللاً للجسم مما قد يؤدي إلى الوفاة، كما أن لها القدرة على نفث السم في عيون ضحيتها مما يسبب العمى، ولدغتها غير مؤلمة وقد لا يشعر الضحية في الساعة الأولي بأعراض تذكر، لكن الأمور تتطور نحو الأسوأ وغالبا ما يصاب الضحية بشلل وقد ينتهي بالموت.
تنتشر أنواع الكوبرا الثلاث على نطاق واسع فمن ضواحي نواكشوط والترارة و كوركول وتكانت والحوضين والبراكنة والعصابة وهذا على الأقل من خلال رصد البعثات العلمية ومتابعاتي الشخصية إلا أن هذه الأنواع بالرغم من سميتها العالية فان أعدادها قليلة نسبيا، وغالبا ما تكون بعيدة عن المناطق المأهولة.
عائلة الأفاعي: Viperidae
وتضم في بلادنا ستة أنواع سامة، ثلاثة منها تنتشر في جنوب وشرق البلاد، نذكر منها أفعي السجاد Echis leucogaster وهي المسؤولة الرئيسية عن الوفيات في بلادنا لصغر حجمها وانتشارها الواسع حتي داخل المدن فقد رصدتها في مدينة كيهيدي وفي شمال العصابة، وسم هذه الأفعى يهاجم الجهاز الدموي ويكسر خلايا الدم وتقدر كمية السم اللازمة لقتل إنسان وزنه 70 كجم بحوالي 40 – 50 ملجم.
تنتشر الأنواع الثلاثة الباقية غرب وشمال البلاد بشكل رئيسي، ونذكر منها أم لقرينات Cerastes carastes تسمى بالحية المقرنة لوجود زوجين من الزوائد في أعلى الرأس تشبه القرنين، وتمتاز هذه الأفعى السامة برأس مثلث عريض وعنق صغير وجسم قصير وغليظ أما الذيل فقصير ودقيق، لها زائدتان قرنيتان قصيرتان فوق قمة الرأس تشبه القرنين، من الأفاعي الخطرة وذات السمية الشديدة، كما نذكر أيضا Bitis arietans وهي أفعي كبيرة الحجم نسبيا وشهادتها في مقطع مصور من مدينة افديرك.
لدغات الثعابين في بلادنا خطر مسكوت عنه
بالرغم من عدم وجود دراسات حول الموضوع، أو أرقام لعدد الإصابات، فان متابعتي الشخصية لخطر الافاعي ودراسة تنوعها خلال عقد من الزمن، يسمح لي بدق جرس الإنذار لاتخاذ التدابير الضرورية لمواجهة هذا الخطر الصامت حيث أمكنني ملاحظة ما يلي:
- عدد الإصابات الكبير فلا يكاد يخلو يوم من تسجيل حالة لدغ؛
- ارتفاع نسبة الوفيات بسبب قلة أو انعدام الأمصال المضادة للسموم، ويعود ذلك لارتفاع أثمانها وقلة انتشارها واختفاء أهمها FAV-Afrique من الأسواق بسبب توقف الشركة الصانعة Sanofi عن إنتاجه؛
- ضعف تدريب الكادر الطبي فيما يخص التعرف علي الأنواع ومعالجة حالات اللدغ، وعدم انسجام برتوكولات المعالجة، وانحصارها غالبا في مضادات الالتهاب والمضادت الحيوية، بسبب غياب العلاج الحقيقي والفعال أي الأمصال، فمثلا معرفة نوع الحية أمر بالغ الأهمية لأن تأثير السموم يختلف مثلا بين عائلة الصلال Elapidae وعائلة الأفاعي Viperidae، فالأولي تأثير سمها ينصب على الجهاز العصبي حيث يعمل السم على شل المراكز العصبية المتحكمة بالجهاز التنفسي وحركات القلب، أما الثانية فتهاجم سمومها الجهاز الدوري، حيث تقوم بتحطيم الخلايا المبطنة لجدران الأوعية الدموية مسببة نزيفا حادا، كما أنها تحطم كريات الدم مؤدية إلى تجلط الدم والتمييز بين العائلتين سهل جدا؛
- هشاشة بعض مناطق البلاد اتجاه مشكلة الأفاعي، فتكانت مثلا توفر تضاريسها موائل لبقاء وانتشار الثعابين، كما أنها منطقة وعرة، وبالتالي فالإصابات فيها تعتبر مشكلة حقيقية، وتلخص بلدية لحصيرة مثلا حجم المشكلة وتأثيرها على التنمية؛
- الحراك الدولي حول الموضوع، حيث أجبر ضغط المجتمع المدني منظمة الصحة العالمية يونيو2017 على إدراج الإصابات الناتجة عن لدغ الثعابين ضمن لائحة الأمراض المدارية المنسية ذات الأولوية، وقد انبثق عن ذلك جملة قرارات ستساعد الدول المعنية بمواجهة هذا الخطر.
تعد الأضرار الناجمة عن لدغات الثعابين في بلادنا مشكلة كبيرة، ولها انعكاسات صحية واقتصادية جسيمة، فلائحة الوفيات والإعاقات طويلة، وعدد الاسر المكلومة في تزايد، لذلك فعلينا جميعا مواكبة الحراك الدولي لبلورة استراتيجيه وطنية رائدة ومتكاملة للحد من أضرار الثعابين حيث يمكن القيام بما يلي:
- إجراء دراسة استقصائية شاملة للوقوف على حجم وأبعاد المشكلة؛
- توعية وتحسيس المجتمع وخصوصا المنطق الهشة حول أهم التدابير والاحتياطات والإسعافات الأولية؛
- وضع خريطة لانتشار الأنواع السامة مما سيسمح باستخدام أمصال نوعية بدل المصل الموحد؛
- تدريب الكادر الطبي وتوحيد برتوكول المعالجة؛
- إنشاء مراكز جهوية للمعالجة المتخصصة في المناطق الهشة.
وفي انتظار اتخاذ تلك القرارات الحاسمة سيظل الخطر محدقا بكل سكان الريف تقريبا، وبزوارهم، حتى ولو كانوا من صٌنًاع القرار.